الأربعاء، 27 يوليو 2016

إله الفراغات God of the Gaps




إن فلسفتك في الحياة وتفسيرك للأحداث التي تحدث حولك وللكون عمومًا مرتبط بمعرفتك ومجالك والزمن الذي تعيش فيه ... فترى الكون من عدسة مجالك وفلسفتك فقط ، ومن الصعب عليك تخيل أنها رؤيتك أنت فقط للكون ، بل إنها ليست رؤيتك، إنها رؤيتك بناء على ما تعتنقه وما تهتم به .
فالرياضيون –على سبيل المثال – لا يرون الكون إلا أنه مجموعة من الأرقام والعلاقات الرياضية .. فيتطرق الأمر معهم حينًا إلى التساؤل حول إمكانية وصف الأمور الإنسانية والفلسفية -ولو على سبيل التفكير- بالعلاقات الرياضية... فمصطلحات كمصطلح
"world line" ومصطلح الحتمية  قد يدفعهم عن وعي أو غير وعي إلى التفكير في حياة الإنسان ومصيره بشكل رياضي نظرًا لأن الإطار المرجعي لهم وطريقة حياتهم هي الرياضيات فتتطرق وتدخل ليس فقط في الفيزياء بل في الأمور الفلسفية أيضًا .
 
فالعلم الحديث يخبرنا أننا لا نرى ولا نسمع نحن فقط نترجم الموجات فالذي نراه ليست الطبيعة كاملة، فنحن نترجم بناء على قدراتنا ونفهم ونحلل الأمور بناء على معرفتنا .
كما هو الحال بالنسبة لعلماء الرياضة ... شرع المؤمنون في شتى الأزمان في تفسير العالم بناء على قوى خارجية ، وكان نتيجة لإيمانهم طغى التفسير الإلهي  السحري على عقلهم تمامًا مرتفعًا فوق كل منطق وتفسير سببي للأشياء و الطبيعة ... فهناك هذا الرعد والبرق إذن الطبيعة غاضبة، ولكن مع التطور وبزوغ العلوم من باطن الفلسفة كالفيزياء وغيرها تطور الأمر كثيرًا فأصبح لدينا تفسير واضح مفهوم بعيدًا عن الكون السحري السابق الذي فيه الملائكة تدفع الكواكب لتحركها، ولكن ما إن يقف أمام الفيزياء عائق حتى نجد التفسير الأول هو إعجاز الإله ... وهل الله يحتاج إعجاز ؟! فحينما فشل نيوتن في تفسير حركة جرمين سماويين معًا نجد أنه يفسرها على إنها إرادة الله ... وكأن الله يحب أن يظهر نفسه في فراغات العلم  ولكن سرعان ما يملأ العلم الفراغات  حتى يضع المؤمنون أنفسهم في موقف سيء؛ لأن ملء هذه الفراغات سيمحو الإله شيئًا فشيئًا مع تقدم العلوم حتى لا يجد مطرحًا في كون سببي! و الأسوأ الأمر الذي جعل بعض العلماء في تخيير الناس بين العلم أم الدين ! لأنهما لايمكن أن يجتمعا سويًا .. فبهذه الطريقة الذين سيختارون الدين –وهم الأغلبية – سينظرون للعلم نظرة أكثر عداوة ونظرة تهديد !
وكله بسبب الإطار المرجعي لدى المؤمن الذي دمج الروحيات بالماديات ولم يُفرق بين لماذا الحياة ؟! وكيف الحياة ؟!
ولكن الأسوأ هو تعامل المؤمنون مع العلم –ليس الكل طبعًا - .. قد نختلف أو نتفق في سؤال لماذا العالم موجود ؟!
ولكن العلم هو طريقة توضيح« كيف »، فوضعت الكنيسة نفسها في العصور الوسطى في تحدي مع العلم حول مركزية الأرض – على الرغم أن كوبرنيكوس و جالليو كانا مؤمنين – لأنهم خلطوا بين مركزية الأرض في قلب الله ومركزيتها في الكون .
 فتبدو أن حجة « إله الفراغات » قد ساعدت كل من لا يؤمن بوجود إله بسبب تعنت بعض المؤمنين الذين يعتقدون أن الله لديه عصا سحرية وليس إله منظم يحترم العقل المستكشف لديهم، وقد يكون بسبب حاجتهم للمعجزة أيضًا؛ وهو ما جعل العلم يبدو أنه ضد الدين ... فالفرغات في صورة الكون بدأت تتضاءل .. فبدلًا من رؤيه الله في الفراغات عليك أن تتأمل في الصورة الجميلة التي أمامك وتسأل سؤالًا ميتافيزيقي ربما وهو لماذا ؟!

السبت، 9 يوليو 2016

أنا الاحتمال



هل أنت هو أنت ؟! ...
و ما الذي جعلك أنت ؟! ...
 هل أفكارك ومعتقداتك هي أفكارك فعلًا ؟!

قرأت قبل ذلك تشبيهًا للإنسان لحظة ميلاده  بالقرص الصلب –
Hard Disk  و من ثم من خلال تجاربه و حياته اليومية يمتلئ هذا القرص بالذكريات والخبرات والاستنتاجات وفلسفة الحياة بشكل عام عن وعي أوعن غير وعي، كما أن شخصيتك تتكون بنسبة كبيرة من خلال الخبرات والمواقف السابقة فضلًا عن الجانب الوراثي .
تلك الفلسفة و الشخصية تتحدد من خلال شيئين البيئة المحيطة-من خلال الأهل والمجتمع – وهي مرحلة أولية  ، واختياراتك- عندما تكبر قليلًا - المبنية على أساس ما زرعته فيك تلك البيئة المحيطة – وربما عكس ما زرعته فيك -  أو خارج تلك الدائرة كلها، ثم تصبح أنت الأن مليار تيرا بايت من الخبرات الموضوعه في العقل- هذا تشبيه لا حقيقة علمية - .
الهدف من السابق هو تعريف من أين حصلت على نفسك؟، من أين تكونت؟، من أين إكتسبت موهبتك، ذكائك، عقدك وخوفك ؟!
ببساطه تبديل احتمال واحد في الطفولة قد يغير كل شيء.... تخيل معي والداك كانا يتشاجران على الذهاب لحديقة الحيوان أم السفر للإسكندرية لقضاء عدة أيام و أنت في الخامسة من عمرك ..
وفي النهاية اختاروا الذهاب للإسكندرية ... هذا جعل شخصيتك مُحب للسفر والتصوير، وتحولت ذكرياتك الدفينة  إلى شخصية لك .. انتهى بك الحال في سن العشرين من عمرك ،وتريد أن تصبح رحالة ولا تعرف لماذا لأنك في الأغلب نسيت رحلة الاسكندرية ،وتحولت من ذكرى لرغبة ... هي لم تذهب بل تحولت .... وتلك الرغبات تظل حبيسة ولا نعرف مصدرها !
ماذا لو كنت ذهبت لحديقة الحيوان ؟!
ما أحاول أن أريك إياه أن رأيك مصنوع بناء على خبراتك ... بل كل حياتك مجرد اختيار من مجموعة اختيارات .
فلعلي في كون موازي ملتحق بكلية العلوم، مولع  بالسيارات، أتهكم على المثقفين، أهلاوي  !
فقبل أن تتعصب للأراء التي تتبناها فكر قليلًا، تذكر أن كل حياتك احتمالات ...

الثلاثاء، 14 يونيو 2016

تائه في درب التبانة .





تائه في طرف درب التبانة 

رغم روعة العلم ، إلا إنني أؤمن بأنه كئيب ؛ إذ لا يتركنا نعيش الوهم الجميل الحالم الهادئ، المحفوف بالخيال الرائع ، و ما يلبث أن يستبدله بحقائق مجرده مبنية على رموز رياضية جافة ، ببساطه إنه يقول لك الحقيقة لكنه لا يخشى أن يجرح أمالك و خيالاتك، فقط الحقيقة المجردة ؛ على عكس العلم الزائف الذي يقدم لك ما تريد أن تسمع، في زي علم ممزوج بالخرافات و الأحلام القديمة لديك – لذلك هو الأوسع انتشارًا كالتنجيم-  .
الأمر بدأ قديمًا ..
عند الإغريق – أرسطو بالتحديد –
تصوره عن الكون كان مملؤءًا بالأمل
أنه مصنوع من أجلنا ... نحن الهدف و الغاية ، أسياد الكون ، مركز الإهتمام .... مركز الكون
و كان لهذا التفكير بما يبعثه من فلسفة و إيمان عن قيمة الإنسان أثره،و في رؤية الإنسان لنفسه ملكًا للكون كل الأجسام الخارجية تعبده
فنحن الجسم الثابت الوحيد في الكون ، بينما كل الأجسام الأخري تطوف حولنا كأنها تخدم تلك الملكة المتأنقة "الأرض" بتاجها الأعظم و دماء عروقها "البشر "
نعم نحن الأساس نحن المركز العالم موجود من أجل خدمتنا ، فالشمس ترسل نورها تحيه ، و القمر للرفقة ، و النجوم تدور بفعل الملائكة لتكمل هذه الصورة الجميلة للكون الخادم للإنسان  .
ثم جاء جاليلو – في دخول مفاجئ على البشرية  – ليؤكد قول كوبرنيكوس و ليزيح الأرض من عرشها الثابت و يضع مكانها الشمس ، فالأرض جرم يدور حول الشمس الثابتة - الأمر الذي توصل إليه عن طريق الملاحظة و التجربة - ، إذن نحن مجرد كوكب يدور حول الشمس الساكنة – الأمر الذي لم تلقاه الكنيسة التي تبنت أعمال أرسطو بوجه رحب ، و تمت محاكمه جاليلو بتهمة الهرطقة رغم تأكيده أن مركزية الشمس من عدمها لا تخالف نصوص الكتاب المقدس .
و لكن بعد توارد القراءات و ظهور نموذج كبلر ووضعه لقوانينه الثلاث لا مجال للشك ، حتى أن الكنيسة اعترفت بخطأها لاحقًا ، فيجب التعايش مع هذا ... حسنًا قلت يا جاليلو نحن كوكب يدور حول الشمس ، لا بأس فنحن و الشمس تربطنا علاقة جيدة ، مازلنا في المركز  ... مازلنا الهدف و الغاية ، فكل هذا من أجلنا و بنا .
و بداية من عصر كوبرنيكوس و جاليلو بدأت أشباح الملائكة التي تجر الكواكب في حركتها حول الأرض تخفت و تهتز صورتها بشكل طفيف جدًا  ، بدأت شرارة العلم الخافتة في إنارة الكون ، رغم أن صورتنا كألهة الكون و أسياده اهتزت قليلًا إلا أن الكون السحري التي في مخيلتنا لم تخفت بعد ، حيث الكثير من العجائب .. و سعيد أن أكتب حتى بعد انهيار الخرافات و سيادة العلم ، الكون مازال ساحر .
و في عصر كبلر أتت صدمة أخرى، وهي المدار شبه الإهليجي الذي يسير فيه الكوكب حول الشمس وليس المدار الدائري الذي كان يرمز للكمال أيام أرسطو ، و لكن ليس هذا بالكثير مقارنة بالقادم .... فالشرارة بدأت تتوهج ،
مع تقدم علم الفلك و اكتشافنا مدى اتساع الكون – " زي ما احنا يا جماعة نكمل حفلتنا و شلتنا ،هو بدأ يبقى عبثي و غير محدود بس  احنا لسه اسياد الكون " - 
و اكتشاف اننا لسنا مركز الكون ولا الشمس هي المركز ولا مجرتنا حتى !
فنحن مجرد كوكب من تسعة كواكب في مجموعة شمسية في مجرة ضمن مجموعة من المجرات التي تكون عنقود ضمن مجموعة عناقيد ! ولا شيء ثابت ، الكل يتحرك في هذا الكون المنفجر حديثًا .
ألسنا على الأقل مركز المجرة ؟!
يلتفت العلم و يقول بكل صراحة : لاء ، مجرد مجموعة شمسية في طرف من أطراف درب التبانة .
فكل هذا كفيل بأن يحطم سيادة الإنسان الوهمية للكون ، إذ يرى أنه لا شيء مقارنة بالكون الهائل ، و تختفي الملائكة التي تحرك الكواكب مع قدوم نيوتن و ليضيء نور العلم الكون ليري هذة الحقيقة، حقيقة عبثية الكون، لا ملائكة ، لا خرافات، كون كالألة و نحن مجرد ترس يدور ليحرك تروس أكبر ... هكذا كان تصور نيوتن ، الذي ساعد على هدم
الكون السحري، إذ أن السحر يتلاشى وتحل محل التعاويذ الأرقام و الرموز ، لكن ليست هذه النهاية الكئيبة ...
يتبع ...
*فكرة المقال مستوحاه من كتاب الكون الأحدب *

الجمعة، 15 أبريل 2016

التجربة الواعية الذاتية



ما هو انطباعك  عن اللون الأصفر ؟
ولماذا موجود هذا الانطباع عندك ؟
و هل هو نفس انطباعي ؟
هل يمكنك أن تصف لي ماذا تشعر تجاهه ؟

فكل منا له تجربة مختلفة مع نفس اللون الأصفر 

فالأصفر بالنسبة لي مختلف عن نفس اللون الذي تراه .. بالتأكيد ليس في التردد الذي يصل في العين لكن فيما يسمي ب
"التجربة الواعية الذاتية "

فهي التجارب أو الصفة الشعورية التي تشعرها تجاه الأشياء ك رائحة البنزين أو صوت الطائرة .......

فهل تسائلت يوماً لماذا أحب اللون الفلاني ؟ 

أو لماذا أشجع هذا الفريق ؟ 

و كيف لا يرون الناس هذا اللون أو الفريق بالصورة الرائعة التي أراها ؟!

في البداية إن مثل التجارب غير قابلة للوصف ؛فلا جدوي من شرح كيف تري اللون الأصفر ؟

لماذا ؟! 

لأن لك تجربة معه ,

فأنا أحب اللون البنفسجي مثلاً ؛

لأنه يذكرني بمنظر السماء في شرفة المنزل حين كنت أسهر قديماً ناظراً اليه , و الهواء يعصف بي مستمتعاً بهذا المنظر 
فترسخت تلك الصورة الذهنية في ذهني ,

فتكونت تجربة  واعية ذاتية مع هذا اللون من السماء,

و لا يمكنني أن أشرح لك مدي روعة هذا المنظر 

لأنني أنا من شعرت , أنا من مررت بهذا الشعور .

و لكن ليس كل التجارب نعرف سببها ,
فهناك العقل الباطن تترسخ فيه الأشياء , دون علم منا,

فالانطباع مبني علي تجارب سابقة و ذكريات و قد تعلم لماذا تحب هذا اللون و لماذا لا تحب ذاك ؟! 

فلنتخيل أنك تحب اللون الأخضر ,  

قد يرجع ذلك إلي أنه أخر ما وقعت عينك عليه بالتتالي أثناء عودتك بالسيارة من يوم سعيد بالملاهي مع عائلتك  خلال  زجاج
السيارة هو إضاءة خضراء في الطريق السريع  ,  قبل أن تنام في سبات عميق , و يرتبط اللون الأخضر بالسعادة و المرح و مثل تلك الذكري دائماً .

فكل انطباع في حياتك له سبب ! 

لأنه ارتبط بمشاعر , بذكري .. 

و رغم هذا فهناك فلاسفة لا يرون أن  لا وجود لمثل تلك التجارب ! 

و ارتبط هذا الموضوع بموضوع الوعي و الإدراك 

و كيف أن مجموعة من الذرات و الخلايا  - العقل – قادره أن تخلق تجربة شعورية واعية  و إدراك , فالبعض يسميها " الروح " و لا أحد يعلم حتي الأن السبب العلمي  في إدراكنا  ؟! 

فهذا يعرف ب "مشكلة الوعي الصعبة "


و في النهاية أنا أكره اللون الأصفر و لكن لا أعرف لماذا ؟!