الثلاثاء، 14 يونيو 2016

تائه في درب التبانة .





تائه في طرف درب التبانة 

رغم روعة العلم ، إلا إنني أؤمن بأنه كئيب ؛ إذ لا يتركنا نعيش الوهم الجميل الحالم الهادئ، المحفوف بالخيال الرائع ، و ما يلبث أن يستبدله بحقائق مجرده مبنية على رموز رياضية جافة ، ببساطه إنه يقول لك الحقيقة لكنه لا يخشى أن يجرح أمالك و خيالاتك، فقط الحقيقة المجردة ؛ على عكس العلم الزائف الذي يقدم لك ما تريد أن تسمع، في زي علم ممزوج بالخرافات و الأحلام القديمة لديك – لذلك هو الأوسع انتشارًا كالتنجيم-  .
الأمر بدأ قديمًا ..
عند الإغريق – أرسطو بالتحديد –
تصوره عن الكون كان مملؤءًا بالأمل
أنه مصنوع من أجلنا ... نحن الهدف و الغاية ، أسياد الكون ، مركز الإهتمام .... مركز الكون
و كان لهذا التفكير بما يبعثه من فلسفة و إيمان عن قيمة الإنسان أثره،و في رؤية الإنسان لنفسه ملكًا للكون كل الأجسام الخارجية تعبده
فنحن الجسم الثابت الوحيد في الكون ، بينما كل الأجسام الأخري تطوف حولنا كأنها تخدم تلك الملكة المتأنقة "الأرض" بتاجها الأعظم و دماء عروقها "البشر "
نعم نحن الأساس نحن المركز العالم موجود من أجل خدمتنا ، فالشمس ترسل نورها تحيه ، و القمر للرفقة ، و النجوم تدور بفعل الملائكة لتكمل هذه الصورة الجميلة للكون الخادم للإنسان  .
ثم جاء جاليلو – في دخول مفاجئ على البشرية  – ليؤكد قول كوبرنيكوس و ليزيح الأرض من عرشها الثابت و يضع مكانها الشمس ، فالأرض جرم يدور حول الشمس الثابتة - الأمر الذي توصل إليه عن طريق الملاحظة و التجربة - ، إذن نحن مجرد كوكب يدور حول الشمس الساكنة – الأمر الذي لم تلقاه الكنيسة التي تبنت أعمال أرسطو بوجه رحب ، و تمت محاكمه جاليلو بتهمة الهرطقة رغم تأكيده أن مركزية الشمس من عدمها لا تخالف نصوص الكتاب المقدس .
و لكن بعد توارد القراءات و ظهور نموذج كبلر ووضعه لقوانينه الثلاث لا مجال للشك ، حتى أن الكنيسة اعترفت بخطأها لاحقًا ، فيجب التعايش مع هذا ... حسنًا قلت يا جاليلو نحن كوكب يدور حول الشمس ، لا بأس فنحن و الشمس تربطنا علاقة جيدة ، مازلنا في المركز  ... مازلنا الهدف و الغاية ، فكل هذا من أجلنا و بنا .
و بداية من عصر كوبرنيكوس و جاليلو بدأت أشباح الملائكة التي تجر الكواكب في حركتها حول الأرض تخفت و تهتز صورتها بشكل طفيف جدًا  ، بدأت شرارة العلم الخافتة في إنارة الكون ، رغم أن صورتنا كألهة الكون و أسياده اهتزت قليلًا إلا أن الكون السحري التي في مخيلتنا لم تخفت بعد ، حيث الكثير من العجائب .. و سعيد أن أكتب حتى بعد انهيار الخرافات و سيادة العلم ، الكون مازال ساحر .
و في عصر كبلر أتت صدمة أخرى، وهي المدار شبه الإهليجي الذي يسير فيه الكوكب حول الشمس وليس المدار الدائري الذي كان يرمز للكمال أيام أرسطو ، و لكن ليس هذا بالكثير مقارنة بالقادم .... فالشرارة بدأت تتوهج ،
مع تقدم علم الفلك و اكتشافنا مدى اتساع الكون – " زي ما احنا يا جماعة نكمل حفلتنا و شلتنا ،هو بدأ يبقى عبثي و غير محدود بس  احنا لسه اسياد الكون " - 
و اكتشاف اننا لسنا مركز الكون ولا الشمس هي المركز ولا مجرتنا حتى !
فنحن مجرد كوكب من تسعة كواكب في مجموعة شمسية في مجرة ضمن مجموعة من المجرات التي تكون عنقود ضمن مجموعة عناقيد ! ولا شيء ثابت ، الكل يتحرك في هذا الكون المنفجر حديثًا .
ألسنا على الأقل مركز المجرة ؟!
يلتفت العلم و يقول بكل صراحة : لاء ، مجرد مجموعة شمسية في طرف من أطراف درب التبانة .
فكل هذا كفيل بأن يحطم سيادة الإنسان الوهمية للكون ، إذ يرى أنه لا شيء مقارنة بالكون الهائل ، و تختفي الملائكة التي تحرك الكواكب مع قدوم نيوتن و ليضيء نور العلم الكون ليري هذة الحقيقة، حقيقة عبثية الكون، لا ملائكة ، لا خرافات، كون كالألة و نحن مجرد ترس يدور ليحرك تروس أكبر ... هكذا كان تصور نيوتن ، الذي ساعد على هدم
الكون السحري، إذ أن السحر يتلاشى وتحل محل التعاويذ الأرقام و الرموز ، لكن ليست هذه النهاية الكئيبة ...
يتبع ...
*فكرة المقال مستوحاه من كتاب الكون الأحدب *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق