أرساني .. أرساني
لعل هذه هي أطول فترة أجلس أمام الصفحات فارغة ... عاجز عن التعبير حتى عمّا يدور
بعقلي .. غير متيقن أين ذهب ذلك المكان الممتلئ بالأفكار .. أبات مهجورًا كالبربا
الخربة الذي طالما عاش فيها هذا الراهب ؟!
تلك البربا التي اشتعلت بالصلوات .. مضيئة لكل البرية! ..
فجأة سكنت كل تلك الأصوات .. من شدتها لم أعود اسمع الا
الصمت خلال كل هذه الضوضاء .. قلبي يبحث عن منفذ أمل خلالها .. لا يريد ألا يُصم
لئلا يفقد قدرته على التمييز للأبد ويصيبه الفتور ولا يريد أن يركز مع أي من هذه
الضوضاء.. لأنه يعلم أنه ستحمسه وتغضبه
وتفرحه لوهلة .. ثم لا تلبث أن تنقلب ضده فتُحزنه قبل أن تعود لترمي له حبلًا
رفيعًا من الأمل لتنقذه لتُعيد الكرة حتى ييئس! وتعود الأرض لدورتها من جديد ..
وتعود صخرة سيزيف لتحملها من جديد بأمل جديد .. بصوت من تلك الأصوات يقول لك لم لا
تعود لرشدك وتحملها وتصعد إلى أعلى ... لم لا تحاول مجددًا؟! .. ولا أعلم عزيزي إلى متى!
لكن في وسط تلك الأصوات .. يبقى صوت متردد هامس لكنه
مميز .. غير واضح لكنه يرد إنتباهك.. لتنتظره مجددًا .. لعله هو صوت القدير ..عابرًا
تلك البربا الخربة .. يعود ليرد فيها الحياة .. تلك الصلوات كانت مُستجابة .. لا
يوجد بحر لينشق .. لكن الظلام يكاد أن ينحسر وسطه مرددًا " أهرب من كل
الكورة"
لكن إلى أين يا الله؟.. طار قلبي نحو السواحل حينها ..
نحو ذلك البحر المظلم الممتد من كل الجهات
.. حيث الهاوية مجددًا أينما اتجه البصر.. للحال تشبثت قدماي في الأرض رجفة! .. هل
يعود قلبي ليأخذني لحمل الصخرة مجددًا نحو دائرة من العذاب الأزلي كما كان يتلاعب
بي .. قلبي الذي صبر سنينًا حافيًا نحو سراب .. إم إنه صوت من شيطان الشك ..
ليسحبني معه .. ويعود ليهزمني ميكائيل حينها!
لماذا يرمي الإنسان راحته في أشياء هي بعيدة المنال .. فيعكس فيها جميع
أماله وأمنياته .. فيمر أمامنا سنونًا وسط هذا البحر الممل .. فما يعود أن يلبث أن
يهيج البحر بنا .. وننزل لهاوية البحر المظلم .. فندعو الله أن يبتلعنا هذا الحوت
رحمة من هذا الظلام .. ثم تمتد يد من السماء لترفعنا .. فنعود إلى هذا البحر
المُضجر مجددًا .. هذا كله فقط بحثًا عن
يابسة جديدة .. عن أرض جديدة .. لعلك تجد عليها ذلك الجديد
هل يكون للرب في ذلك مقصد .. لينزع عنك شوكة الروح ..
تلك التي وضعها بك وهمس مهما ارتفعت .. مهما عبرت بحورًا وحدك .. ستظل هذه شوكتك
.. اراك مصدومًا وبيعينك إنعكاس لمشاهد كثيرة تدور بعقلك !،ربما ليعلمك درسًا.. قاسيًا
ربما .. لكنك تراه قادمًا .. فلا جدوى من الاستمرار في تلك الأرض القديمة .. لترى
نفسك مهزومًا .. لعله يفتح لك الباب .. فلا يعود ليقرع بعد .. لينقذك!
لكن هل من دواء للإنسان الذي أحب وجع شوكته .. تلك
الصخرة الذي يحملها منذ أبد الأبدين !!
مهلًا .. مهلًا ... ها قد ظهر هذا الصوت مجددًا !