أنا قد صعدت إلى أعلى الجبل الذي يمكث فيه القدير .. حيث فتات تلك الوصايا القديمة .. أدركت النور وعلمت أنني منه ... لكنني دائمًا ما تسائلت عمّا يجعل نفس الإنسان تشتهي أن ترى الضفة الأخرى .. فينتهي به الأمر شريدًا في الهاوية ..حيث لا حياة .. حيث لا مخلص!
هل تريد أن تعرف كيف سقطت؟! ... لعلك تستعجب
أنني مازلت مضيئًا... باهتًا بعض الشيء ربما، لكن مازال إنعكاسي يرهق عينك السوداء! .. فأنا لم أهوى إلى أسفل
الهاوية .. لم تطأ قدماي الجحيم! .. لكن قدماي لم تسطيعا أن تلمسا طرف ذلك الجبل
... وقلبي لم يعد يراه!
من أنا؟! أنا ذلك الملاك الفاسد ... كنت عنده
صانعًا! .. أنا من صعدت صلواتي صغيرًا إلى أعالي السموات! ... كنت الأجمل ..
الأقوى .. الأعظم! .. كان مقدرًا لي أن أملك تلك العيون السوداء!
لا يمكنك أن تسرد ذلك العور مرة واحدة ..
فالزمن ... الزمن يسرق منك كل شيء! ... مهما بدا لك كل شيء ثابتًا! .. إياك أن
تترك الراعي والقطيع .. وتصرخ في نفسك متمسكًا بكبرياء يعوض الشوكه المزروعه في
النفس، "هل ارتدى أحدًا الثياب البيضاء غيري؟" .. " هل صعد أحد
مثلي عن يمينه ؟! " أنا خدمت الرب سنينًا! وحينما هويت عن التل رأيت ما خفي
عن بني البشر ... حتى ظنو بي الجنون!
فانكشفت عورتي أمام نفسي في المرآة حينما
نظرت... فلم أنظر نسرًا بل غرابًا قاتمًا ... الأعلم أنه قد مر وقت طويل منذ أخر
رسالة لي، لكن عليك أن تلتمس العذر لي، فلم أعد جيدًا في مثل تلك الخطابات!
... تلك الألوان القاتمة التي كنت أصورها
لك في كتاباتي أضحت أمامي .. تلك التبة التي صورتها لك في رسائلي.. أصبحت مبيتي!
.. تلك الليلة المظلمة أصبحت واقعي ... نجوم السماء لا تلبث أن تتحرك من مكانها ..
كأنها تشهد ساخرة على القدر! .. لماذا
يؤمن الإنسان؟! هل لأن الموت دون أمل يزيده مرارة؟ .. وهل يزداد الموت مرارة؟! أم
لأنه يرى في نفسه معجزة .. بل نور ربما؟! نور لطالما صدر عنه ... هو فيه الحياة
كلها! يؤمن لأنه يشاهده معجزة .. ويضل لإنه قد اعتاد على رؤية النور .. فلم تصبح معجزة بالنسبة له بعد ذلك!